من السخرية بما كان، مُطالبةَ الأنظمة العربية المستبدة باحترام حقوق الأقليات وهي التي لاتحترم حقوق السواد الأعظم من الشعوب التي تعتبرها مجرد رعيّة تنفق عليها العطاءات حينا وتذلّها متى أرادت تطويعها، تلك الأنظمة لم تستوعب بعدُ معاني المواطنة حيث يتمتع الفرد بكامل حقوقه كما تترتب عليه واجبات نحو وطنه.
حوادثُ قتل وسلب وحرق، وانتهاكاتٌ لأبسط حقوق الإنسان، أحداثٌ تبدو معزولة في زخم التاريخ، وصغيرة ومبعثرة على امتداد الجغرافيا العربية لكنها تصب في خانة واحدة، ألا وهي قمع الأقليات وتأديب بعض أفرادها ليكونوا عبرة للآخرين، كيف لا والمثل العربي ( أضرب الحمار المربوط، كي يعتبر الحمار السائب) هو المتداول في أوساط الجلادين.
اغتيال ثلاثة من أكراد سوريا في (قامشلو) برصاص قوات الأمن، واغتيال رجال الدين المسيح واستهداف الأقلية المسيحية في العراق، وحرق كنائس الأقباط في مصر والتضييق على حرياتهم، واغتيال شاب وجرح العشرات من المنتمين للأقلية الإباضية في الجزائر وسلب أموالهم وحرق بيوتهم، كلها أحداثٌ تصب في خانة التشكيك في ولاء الأقليات لأوطانها أو بالأحرى لحكامها وبالتالي وجبت استباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
رد فعل الأقليات على هذه الهمجية دائما ما يكون سلبيا حيث تعزف عن المطالبة بحقوقها درءا للفتنة وخوفا من الانتقام، هذا الانتقام عادة ماتتولى تجسيده السلطة عبر وسائلها البوليسية القمعية أو توكل مهمة تنفيذه إلى أشباح وخيالات تتعدد تسمياتهم كالجماعات الإرهابية أو الشباب الطائش أو أيادي النفوذ الخفية. وماحدث في إقليم دارفور السوداني من مجازر وتصفيات عرقية ماهو إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد العائم، في مسألة تأديب السلطة للأقليات على أيدي قبائل وعشائر تنتمي إلى الغالبية.
الأقليات في منطقتنا وهي تحاول الحفاظ على وجودها لا تجد من بدّ أمام هذه الحملات المسعورة إلا الاستنجاد بالأقوى وإن لم تجد من يحميها داخل الوطن فإنها تلجأ إلى الجامعة العربية ثم سرعان ماتكتشف بأن هذه المنظمة ماهي إلا كتلة مركبة من القمع العربي، ولا تجد أمامها سوى منظمات حقوق الإنسان الدولية والعواصم الديموقراطية في العالم، وهذا ما يجعلها محل شبهة من السلطات التي تكيل لها الاتهامات بالعمالة للخارج الساعي إلى تفكيك الكيان القومي.
في الولايات المتحدة الامريكية تُصوت الولايات التي يسكنها غالبية البيض (القوقاز) لصالح مترشح من أصول إفريقية ليكون رئيسا لكل المواطنين دون تمييز، وفي الدول العربية لا يحلم أي شخص من الأقليات المعدمة بأن يترشح يوما ما إلى منصب في إحدى وزارات السيادة، كالداخلية والدفاع والإقتصاد فمابالك بمنصب رئيس الدولة. بل الأقليات محرومة من أدنى حقوق المواطنة كحرية التعبير وحق السكن والشغل والاستفادة من ثروات الوطن مثل غيرها.
أعود إلى الأحداث الدامية التي تعصف بالأقلية الإباضية في الجزائرمنذ نهاية السبعينات، فهذه الأقلية النائمة على أكبر حقل للغاز في إفريقيا (حاسي الرمل) والذي لا يبعد عنها سوى ب60 كيلومترا، ألحقته السلطات إداريا بولاية أو محافظة بعيدة وهي (الأغواط) فهي تبعد عن الحقل بمسافة 140 كيلومترا، وهذا ما حرم أبناء هذه الأقلية من مناصب الشغل التي يستفيد منها شباب يوظفون عن طريق النفوذ والوساطات، ولا تستفيد بلدياتهم من الرسوم والضرائب المفروضة على أنابيب النفط والغاز التي تشقّ ترابها وتُشبع المنطقة تلوثا.
قد يبدو هذا الطرح جهويا باعتبار أن المستفيدين كلهم من الشباب الجزائري! هذا صحيح إن لم تكن المنطقة التي تنام على حقول البترول (نوميرات) والغاز من أفقر المناطق في الجزائر من حيث موازنة البلديات، في وقت يعاني الشباب من البطالة المزمنة ويُحرم من التوظيف في الشركات البترولية ويذهب ريع البترول والغاز إلى ولايات أخرى انتفخت موازناتها السنوية حتى علّمت مسؤوليها السرقة.
إذا كانت الدولة صادقة في أن تُحوّل قيمة العدالة من مجرد شعارات جوفاء إلى حقيقة وواقع، فعلى رئيس الحكومة الجزائرية الذي قام بجولة مفاجئة في المنطقة تحت ضغط الصحافة التي نقلت تلك الأحداث الدامية إلى العالم، أن يضع في اعتباره أنه من واجب الدولة أن تقتص من أولئك الإرهابيين الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من الإباضية على مر عقود، وهؤلاء لايزالون أحرارا طلقاء مستفيدين من فساد بعض أجهزة القضاء، وعلى الحكومة أن تُعيد النظر جديا في إعادة تقسيم الثروة بين أبناء الشعب الواحد لأن ولاء الإباضية سيبقى دائما وأبدا للوطن وهم من وقفوا في وجه فرنسا التي كانت تعتزم فصل الصحراء عن الشمال.
وهنا تحضرني حكمة الرئيس اليمني الذي قال( يجب أن نحلق رؤوسنا قبل أن يحلقوها لنا) والحديث قياس