مرت ثلاثة أشهر منذ بدء الفصل الدراسي الثاني، وتلاميذ غزة ينتظرون أن تأتيهم الكتب المدرسية الجديدة التي وعدوا بها من الوزارة، بدلاً من الكتب البالية والمستهلكة التي وزعت عليهم أو تلك التي لم توزع بعد، لتعذر طباعتها في غزة بسبب الحصار المفروض منذ عشرة أشهر وحال دون دخول الورق وأحبار الطباعة، واضطروا إلى العودة لكتابة الدروس في دفاترهم أو تقاسم الكتب المدرسية فيما بينهم حتى انتهاء الأزمة التي لم تتزحزح من مكانها قيد أنملة والعام الدراسي يلملم أذياله للانتهاء .
ويهدد الحصار مستقبل نحو (446189) تلميذًا وتلميذة من قطاع غزة في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية وموزعين على 629 مدرسة تضم ،مدارس الحكومة، ومدارس وكالة الغوث، والمدارس الخاصة .
التلميذة ربا بالصف الخامس الابتدائي، بدت متذمرة من الكتاب المدرسي المستخدم الذي تم توزيعه منذ بداية الفصل وقالت :" تعودنا أن نبدأ كل فصل بكتب جديدة، أما هذه الكتب سيئة تشعرنا باليأس والإحباط .
وأضافت بغضب طفولي""التلاميذ الذين استخدموها سابقًا ملؤوها بـ "الشخابيط" التي يكاد يظهر منها الكلام، هذا عدا عن بعض الصفحات الممزقة التي اضطر لنسخها من زميلة لي بالفصل ولصقها بالكتاب".
كتب ممزقة
وكانت وزارة التربية والتعليم بغزة قد اضطرت هذا الفصل لتوزيع كُتب قديمة جراء نفاد الورق من أسواق القطاع بفعل الحصار الخانق واستمرار إغلاق المعابر، مُشيرةً إلى أنها لجأت لتجميع الكتب القديمة من طلاب الأعوام السابقة وتوزيعها على طلاب المرحلة الجديدة حتى يتسنى لها طباعة الكتب الجديدة.
وتتسأل ربا بحزن :" لماذا يفعل بنا هكذا ولماذا نعيش كل هذا الظلم من دون كتب أو دفاتر فلم نعد نشعر ببهجة أو متعة في الدراسة" .
وان كان باستطاعة ربا ان تدرس من خلال كتب قديمة ومستهلكة، فإن ديما في الصف الثالث الابتدائي التي تقرأ في مدرسة خاصة بغزة، مرت ثلاثة أشهر على بدء الفصل الدراسي وهي لا تمتلك الكتب المدرسية تقول ديما" اضطر الى كتابة الدروس في الفصل من خلال كتاب قديم لصديقتي من أخيها الذي يكبرها بعام وتقول:" عندما نسأل عن الكتب التي دفعنا ثمنها مسبقًا، يجيبون انها بالطباعة بالغد ستصلكم وكل يوم ننتظر ان يأتي الغد الذي يشيرون إليه، وتواصل: "لا ادري لما يحرمونا من حقنا في امتلاك الكتب المدرسية، أخشى ان يتدنى مستوى تحصيلي لهذا الفصل والامتحانات على الأبواب" .
قلق أولياء الأمور
وتشير أم حسام والدة لثلاثة تلاميذ بمدارس غزة أنها تشعر بقلق على مستقبل أطفالها ولا تخفي أنها تعاني أثناء مساعدتها لأطفالها في دراستهم من الكتب المدرسية بسبب رداءتها، مشيرة انها تضطر إلى الاستعانة بكتب أطفال أقاربها في المدرسة المجاورة بسبب تلف كتب أطفالها التي وزعتها وزارة التربية والتعليم وتقول:" هذا تسبب لي بمعاناة مضاعفة ولاحظت مستوى تحصيل أطفالي الدراسي من خلال امتحاناتهم الشهرية قد انخفض عن الفصل الأول وهذا يقلقني وأخشى على مستقبل تفوقهم .
وقال التلميذ محمود منار من الصف الأول ثانوي إن " الكتب المستخدمة زادت اليأس الموجود داخلنا، وقللت من إقبالنا على الدراسة، فالحصار والجو المشحون بالتوتر أفسد كل شيء بحياتنا.
ولم تقتصر المعاناة على التلاميذ، فالمدرسون أيضًا يواجهون معاناة في تدريس المواد التعليمية، خاصة العلمية منها التي تحتاج إلى مختبرات، مما دفعهم للتركيز على الجزء النظري فقط دون الجزء العملي، وهذا أدى إلى تقليل التحصيل العلمي لدى التلاميذ وأثر على مستوى إدراكهم واستيعابهم للمواد، وتسبب لهم بضغوطات نفسية ،فيقول نهاد النجار مدرس مادة العلوم بمدارس جنوب غزة لقد تراجع إنتاجنا بشكل كبير وعدنا الى الاستخدام اليدوي في الاختبارات وفي الكتابة على السبورة وهو ما يحتاج لكثير من الجهد والوقت .
ويؤكد النجار أن تلاميذه بات مستوى تحصيلهم الدراسي في هذا الفصل ضعيفًا جدًا قياسًا بالفصل الأول، بسبب تأخر توزيع الكتب عليهم، مشيرًا ان 3/4 الطلاب لم يستلموا كتبهم حتى الآن بعد مرور ثلاثة أشهر، وان فقط شهر واحد يفصل عن نهاية الفصل و نهاية العام الدراسي .
وقال :" انا أدرس مادة العلوم لنحو 700 تلميذ من الصف الأول إعدادي وان 250 تلميذًا منهم فقط حصلوا على الكتب"، مضيفًا" أن مديرية التربية والتعليم اضطرت الى توزيع كتاب "العلوم "بعد الانتهاء من طباعته بعد ثلاثة أشهر على التلاميذ ذوي المستوى المتفوق فقط ,
وأضاف النجار بأسى :"وان كنت لست مع هذه الخطوة التمييزية بين التلاميذ والتي ستؤثر على نفسيتهم وعلى نظرتهم لنا مستقبلا، لان الكتاب حق مكفول لكل طالب ولكن ليس باستطاعتنا بسبب الحصار توفيره للجميع وليس بإمكاننا أن نفعل شيئًا آخر.
وسائل يدوية
وفي مواجهة الأزمة، فإن النجار يضطر إلى استخدام وسائل بدائية ويدوية منها كتابة الاختبارات بالطريقة اليدوية او تحمل تكاليف طباعتها على مسئوليته الخاصة خارج نفقات المدرسة، واللجوء إلى كتابة الدرس والواجبات على السبورة والاستغناء عن إجراء التجارب في المختبرات بسبب عدم توفر المواد اللازمة كالغاز وبعض الأدوات والمواد الكيميائية اللازمة لإجراء التجارب العلمية .
ويتابع :"هناك رسومات في الكتاب اضطررت للتغاضي عنها لأنها تحتاج إلى وقت طويل في الرسم على السبورة أو يستحيل رسمها، مؤكدًا ان الدرس الذي لا يستغرق شرحه باليوم العادي حصة واحدة أصبح يحتاج إلى أكثر من حصة.
وحملت أم حسام إسرائيل المسؤولية عن تدمير مستقبل أطفالها وقالت وزارة التربية والتعليم أيضا تتحمل هذا الهم الذي ألحقوه بأولادنا نحن في حالة حرب كان يجب عليهم التخزين واخذ الاحتياطات، مضيفة أنهم شتتوا تركيز أطفالها وافسدوا دراستهم وأدى استخدامهم للكتب المستخدمة إلى تشويش النظر لديهم وعدم المتعة في الدراسة".
وطالبت المؤسسات الدولية بالضغط من اجل رفع الحصار عن غزة كي تتمكن الوزارة من إدخال الورق للتخفيف عن الطلبة خاصة والعام الدراسي يشرف على الانتهاء .
انتهاك الحق في التعليم
وأشارت مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان بغزة في تقرير وصل "ايلاف "نسخة عنه أن إسرائيل تنتهك حق أطفال قطاع غزة بالتعليم. مخالفة بذلك كافة القوانين و المواثيق التي تضمن حقوق الطفل,خاصة المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أن لكل شخص حق في التعليم ويجب أن يوفر التعليم مجانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية ويكون التعليم الابتدائي إلزاميًا، والتعليم الفني والمهني متاحًا للعموم، والتعليم العالي متاحاً للجميع تبعًا لكفاءتهم.
وبين التقرير أن العجز في كتب المرحلة الابتدائية بلغ 50% و لدى التلاميذ في المرحلة الإعدادية بلغ 30% أي أن نحو 69970 تلميذًا وتلميذة من المرحلتين السابقتين لا تتوفر لديهم الكتب المدرسية وقامت الوزارة بتغطية احتياج 70% من التلاميذ عن طريق الكتب المخزنة والكتب المسترجعة من التلاميذ من السنوات السابقة.
ولفت التقرير إلى أن جميع المشاريع التطويرية للمختبرات الحاسوبية أو العلمية في المدارس توقفت بسبب النقص الكبير في المواد الخام اللازمة لمثل هذه المشاريع وانه تم تقليص عدد مختبرات الحاسوب بنسبة 4% بسبب سحب الحواسيب من مختبرات المدارس وتوزيعها على الاحتياجات الإدارية التي تعاني من نقص شديد وتعرضت لأعطال بسبب انقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وعدم السماح بدخول حواسيب جديدة .
مشاريع لم تستكمل
وأشار التقرير أن الحصار تسبب في توقف مشروع ربط المدارس بشبكة الانترنت، لأن المواد الخام المطلوبة لإقامة المشروع لا تدخل قطاع غزة مما عطل تنفيذ المشروع بشكل كامل.
وحذر محمد مصطفى مقداد من الإدارة العامة للتقنيات،بوزارة التربية والتعليم أنه إذا استمر الحصار على قطاع غزة فإنه سيؤدي إلى انهيار التعليم، مشيرًا إلى ان العودة للعمل اليدوي في التعليم ينعكس سلبيًا على اداء المدرسين والطلاب ويتسبب في قلة الإنتاج وبطء الانجاز.
وقال: "إن حصول عجز في أوراق العمل يرجع المدرس إلى عملية التلقين والكتابة على السبورة مما يؤدي إلى الرجوع إلى أساليب التعليم القديمة.وهذا يؤثر على الامتحانات حيث يتم نقل التلاميذ للامتحان عن السبورة بدلاً من الحصول على الامتحان مطبوع مما يؤدي إلى ضياع جزءًا من الوقت المخصص للحل ويعمل على قلة تركيز التلميذ.
وأشار التقرير إلى أن هذا النقص في الكتب المدرسية ومستلزمات المدرسة أدى إلى نتائج مؤثرة على تلاميذ قطاع غزة، إذ تراجع مستوى تحصيلهم التعليمي ووضع التلميذ في الإطار النظري بدلاً من العملي، إضافة إلى الآثار النفسية السيئة التي يعاني منها كل من التلميذ والمدرس وولي الأمر.
ودعت مؤسسة الضمير في تقريرها مؤسسات ومنظمات المجتمع الدولي ذات العلاقة و بالتحديد منظمة اليونسكو للوقوف في وجه الانتهاك الإسرائيلي وإيقافه فورًا تحت طائلة المسؤولية القانونية الدولية.
وطالبت مؤسسات المجتمع المدني وبالتحديد المؤسسات المعنية بحقوق الطفل للممارسة دورها للضغط و توفير رأي عام يبين الجرائم التي ترتكبها اسرائيل بحق الأطفال، وبتوعية التلاميذ والمؤسسات التي تعنى بشؤونهم بكل ما يتعلق بحقوق الطفل بصورة عامة والتعليمية بصورة خاصة وفقًا للقوانين الدولية والمحلية